المدرسة السريالية: حركة فنية تجمع بين الواقع والخيال



تتنوع المدارس الفنية حول العالم، ولذا كل مدرسة فنية خصوصيتها وتأثيرها على مجتمعاتها. ومن بين هذه المدارس الفنية، تبرز المدرسة السريالية كواحدة من أبرز وأغرب المدارس الفنية في تاريخ الفن الحديث. إنها مدرسة فنية تتبع نهجًا فريدًا من نوعه، حيث تجمع بين الواقع والخيال في لوحاتها.

المدرسة السيريالية هي تيار فني ينتمي إلى فنون التصوير والأدب، وظهرت في بداية القرن العشرين، وقد تأسست في عام 1924 بباريس في فترة ما بين الحربين العالميتين، على يد مجموعة من الفنانين والأدباء، بقيادة الشاعر الفرنسي أندريه بريتون. وهي تعكس الفوضى والتحولات الاجتماعية والسياسية التي عاشتها تلك الفترة. 

وقد جاءت تسمية "سيريالية" من الكلمة الفرنسية "surréalisme" والتي تعني "فوق الواقع" أو "خارق للواقع". يهدف السيريالية إلى استكشاف عالم اللاواقع والأحلام والغيومية والتجارب النفسية. وهي تعتمد على المفهوم الأساسي للتأثير النفسي والتشويش على العقل الباطن والتحرر من القيود الواقعية، ويهدف الفنانون السرياليون إلى إظهار الجوانب الخفية والغير واضحة من الواقع والكشف عن أعماق الوعي. يتم تحقيق ذلك من خلال استخدام الرموز والتأثيرات البصرية الغريبة والمفاجئة.

تتخذ السريالية أسلوبًا فنيًا فريدًا يركز على تحرير العقل واستكشاف الجوانب الغامضة والغير واقعية للواقع. وتهدف السريالية إلى إظهار الجمال والصدمة والتناقض في الحياة وتحرير العقل من القيود والتقاليد المجتمعية، كما تعتمد اللوحات السريالية على تجسيد العناصر الواقعية والمألوفة بطرق غير مألوفة وغريبة. يتم استخدام الصور التشويهية والمجردة والتجميعات المفاجئة والتلاعب بالحجم والتناسق لإنشاء عوالم غير واقعية وغريبة.

كما تتميز المدرسة السريالية بتجاوز حدود الواقع والتعبير عن الأحلام والرؤى والانفعالات الغريبة. فهي تعتمد على تقنيات تجمع بين الخيال والواقع، مثل الكولاج والتصوير الفوتوغرافي والرسم بالألوان الزيتية. بواسطة هذه التقنيات، يستطيع الفنانون السرياليون تجسيد تلك الأفكار والأحلام الغريبة في صور فنية مذهلة.

واحدة من اللوحات السريالية الأشهر هي لوحة "إصرار الذاكرة" للفنان السريالي الشهير سلفادور دالي. تعتبر هذه اللوحة تجسيدًا للأفكار والتجارب الغريبة والمفاهيم المتعلقة بالوعي واللاواعي.

في عام 1924، نشر أندريه بيرتُون، وهو شاعر فرنسي، بيانًا بعنوان "البيان السريالي". في هذا البيان، وضع بيرتُون المبادئ الأساسية للحركة السريالية.

تستند السريالية إلى نظرية سيغموند فرويد، مؤسس علم النفس التحليلي. يعتقد فرويد أن العقل الباطن هو مصدر الإبداع والفن. يرى السرياليون أن العقل الباطن هو مصدر للطاقة غير محدودة، ويمكن استخدامه لخلق فن جديد ومثير.

تستخدم السريالية مجموعة متنوعة من التقنيات للتعبير عن العقل الباطن. تشمل هذه التقنيات:

  • التداعي الحر: وهو أسلوب يسمح للفنان بكتابة أو رسم ما يخطر بباله دون تفكير أو قيود.
  • التصوير المطابق: وهو أسلوب يجمع بين الأشياء المختلفة بطريقة غير منطقية.
  • التصوير النفسي: وهو أسلوب يصور أفكار أو عواطف لا يمكن رؤيتها مباشرة.


تأثرت المدرسة السيريالية بالعديد من التيارات الفكرية والفنية الأخرى مثل الفرويديانية والماركسية والداداية والتكنيكية. كما أنها تأثرت بالأحداث السياسية والاجتماعية في فترة ظهورها، مثل الحرب العالمية الثانية والثورات الثقافية والتغيرات في المجتمع.

تعد المدرسة السيريالية إسهامًا هامًا في تطور الفن والأدب، حيث أثرت بشكل كبير على الحركات الفنية اللاحقة مثل الأبستراكتية والبوب آرت والفن الحداثي. كما أنها أثرت على الأدب والشعر والمسرح والسينما، حيث استخدم العديد من الكتاب والمخرجين السريالية في أعمالهم.

المدرسة السيريالية لا تزال لها تأثير وجاذبية حتى اليوم، وتعتبر مصدر إلهام للعديد من الفنانين والكتاب والمصممين. تستمر في استكشاف العوالم الداخلية واللاواعي وتحدي الواقعية التقليدية، وتقدم لنا نظرة فنية مختلفة ومثيرة للتفكير في العالم من حولنا.

تعد المدرسة السيريالية أيضًا حركة أدبية مهمة، حيث تعكس في الأدب نفس المفاهيم والمبادئ التي تم تطبيقها في التصوير. تهدف الأعمال الأدبية السريالية إلى استكشاف العوالم الداخلية والغير مألوفة والتعبير عن الأفكار والرؤى الغير تقليدية.

تميزت الأعمال الأدبية السريالية بالتجريبية والتجسيد الشاعري للواقع والخيال. استخدم الكتاب السرياليون تقنيات مثل الكتابة الأوتوماتيكية والتدفق الواعي للكلمات والأفكار، حيث يكتبون دون تفكير مسبق أو تحرير للنصوص. يهدفون إلى الوصول إلى الجوانب الغير معروفة والمفاهيم المخفية في العقل الباطن.

من بين الكتاب السرياليين البارزين يمكن ذكر أندريه بريتون، الذي يُعتبر مؤسس المدرسة السيريالية، ولويس أراغون وبول إيلوار وروبرت ديسنوس ورينيه كريستياني وغيرهم. تأثر العديد من الروائيين والشعراء بالأساليب السريالية في أعمالهم، مثل فرانز كافكا وسالفادور دالي وأندريه جيد وغيرهم.

تتميز الأعمال الأدبية السريالية بالتناقضات والمفارقات والتشويش على اللغة والتركيب الجملي، حيث يتم استخدام اللغة بشكل غير تقليدي وغير منطقي لإيصال الرسائل والأفكار. كما يتم تشويش وتحطيم هياكل القصص التقليدية والعبارات الثابتة لإنشاء تجارب قرائية فريدة ومثيرة.

قد تكون رواية "حقل الجوراسي" للكاتب الفرنسي أندريه جيد أحد أمثلة الأعمال الأدبية السريالية المعروفة. حيث تعتمد الرواية على تداخل الزمان والمكان وتجسيد الصور الغريبة والأحداث غير المتوقعة.

كما تأثرت المدرسة السيريالية بالتطورات الفكرية والثقافية في فترة ظهورها. تم تشكيلها من خلال تحالفات وتعاونات بين الفنانين والكتاب والمفكرين المتحمسين للتجارب الجديدة والمبتكرة. كانت تلك الفترة تشهدعلى تغيرات جذرية في الفن والثقافة، حيث كانت العقلية السريالية تسعى لتحرير الإبداع من قيود المنطق والتقاليد.

وتشمل بعض أشهر الفنانين السرياليين:

  • سلفادور دالي: وهو فنان إسباني اشتهر بأعماله الغريبة والمثيرة للجدل.
  • مان راي: وهو فنان أمريكي اشتهر بأعماله التصويرية المطابقة.
  • جان ميرو: وهو فنان إسباني اشتهر بأعماله المجردة التي تصور أحلامه.

وهكذا، تمثل المدرسة السيريالية تيارًا فنيًا وأدبيًا هامًا في القرن العشرين، حيث تجاوزت حدود التصوير الثابت وتأثرت بالأدب والمسرح والموسيقى والفيلم. استمر تأثير السيريالية على الفنون والأدب لاحقًا وما زال لها تأثير واضح في الإبداعات الحديثة.


المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url