المدرسة الانطباعية



كانت نشأة الانطباعية مرحلة لضرورة زمنية وفنية، ولمواكبة عصر التطورات والاكتشافات العلمية التي اجتاحت كافة الميادين خاصة نظريات الفيزياء والضوء، فظهرت الانطباعية على يد مجموعة من الفنانين الفرنسيين الذين حاولوا تجاوز المدارس السابقة التي كانت تنحصر رسوماتهم داخل المرسم،
فنشأت كمدرسة فنية ناتجة عن الواقعية وكتحضير للمدارس الفنية الحديثة التى تميز بها القرن العشرون فيما بعد، فانطلقوا بألوانهم وفرشاتهم نحو الطبيعة لتصويريها في اللحظة ذاتها عدة مرات، بأجواء مختلفة، وبعيدا عن أي مشاعر داخلية، وذلك لاظهار مدى اختلاف وتغير الالوان على اللوحة، حيث تقوم الانطباعية على الانطباع الفوري لحدث ما في لحظة ما، فجاءت ألوانهم زاهية ومتداخلة، اضافة الى تعمد ترك أثار الفرشاة على  اللوحة، وحيث اهمال الخط والاهتمام بالمساحة اللونية المكونة من ألوان صافية غير ممزوجة مع بعضها البعض، لغرض الحصول على التأثير البصري على الاشكال في وقت معين من النهار، فقد جرّبوا تقنيات مختلفة بخصوص تخفيف الألوان وتكسيرها، وتأثير ضوء الشمس على الأجسام والأشكال حيث يعتبر الضوء أهم عنصر في اللوحة وقامو بحذف الظلال السوداء التي ليس لها وجود في الطبيعة واستبدلوها بألواناً مكملة للموضوع بالظلال.

 وقد استمد اسم الانطباعية من لوحة الفنان "كلود مونييه" رائد الانطباعية -برفقة "رينوار وسيزاان وبيسارو" الذين كانوا رواد هذه الحركة- والذي رسمها سنة 1872م ، تحت "اسم انطباع شروق الشمس"، لملائمة الاسم للحدث اللحظي للرسم مما أكسب الحركة اسمها، والتي قدمها مونييه في عام 1874م إلى الصالون الاول لمجموعة من الفنانين الفرنسيين الشباب، الا ان الجمهور العام اضافة الى النقاد كانوا يرونه على انه كارثة فنية وهبوط واضح في مستوى الفنانين التشكليين، فانعكس ذلك على قيمة اللوحات الفنية فهبط سعرها الى اكثر من النصف، وعلى الرغم من صدمة الفنانين الانطباعيين من ردة الفعل القاسية تجاههم وتجاه فنهم الا انهم ظلوا مواصلين غير عابئين بسخريتهم وتهجمهم المفرط، وبأنها مرحلة فنية جديدة سيتأقلمون معها مع الوقت، فكل ما هو جديد غريب، فظلوا يقيمون معارضهم الانطباعية حتى سنة 1881م، حيث بدأ بعض النقاد يدافعون عن أسلوبهم الجديد فازداد تذوقه وتفتحت العقول واستمرت في الازدهار وبدأ تقبل المزيد منه.

 كما عنيت الانطباعية بالشكل العام للوحة فجاءت ألوانهم نقية وصافية بكل تفاصيلها الدقيقة، والمموهة في نفس الوقت حيث يعطي للمشاهد احساس بان اللوحة كاملة بكل أجزائها وتفاصيلها ولكن لمجرد أن يتمعن النظر في اللوحة يكتشف ان هناك بعض الفرغات وبعض التفاصيل الذي تعمد على تركها فارغة، اضافة الى تركيز الفنان على عنصري الظل والضوء، وباستخدام الالوان الزيتية في بقع منفصلة صغيرة ذات شكل واضح، بدلاً من خلطه على لوحة الالوان.


 وداخل هذه الحركة انبثقت أساليب جديدة للانطباعيين التي جعلت الفن الانطباعي يدخل في مراحل مختلفة وتتعدد أساليبه وألوانه بتعدد فنانيه، فالى جانب الطبعات اليابانية او الرسم الياباني الذي كان له أثر لابأس به على بعض الفنانين في تلك المرحلة فقد انبثقت اساليب جديدة غير نمطية داخل مدرسة الانطباعية الجديدة، فمن بين هذه الاساليب ظهر الاسلوب التنقيطي الذي اشتهر به "جورج سورا" اضافة الى "كاميل بيسارو" و"بول سيناك" وغيرهم، وهو اسلوب يعتمد على رسم مجموعة من النقط بنفس الحجم على نفس المساحة وبشكل متقارب لتكون بالاخير لوحة متكاملة ومختلفة في نفس الوقت عن ما كان سائدا في ذلك الوقت، ثم هناك الاسلوب التقسيمي وهو اسلوب يعتمد على تقسيم سطح اللوحة بألوان متجاورة وصارخة وصافية دون مزجها مع بعضها البعض.
 وبالاخير ففنانين الانطباعيين بشكل عام كان جل تركيزهم على المشاهد المرئية المباشرة والعفوية ورسمها كما هي في الطبيعة والابتعاد عن تصوير الاحساس بما نراه لكن ليس ببعيد عن الاتصال الحسي بالموضوع والاهتمام بالشكل الخارجي من خلال اللعب بالالوان المركزة الصافية.  
ومن أشهر رسامين الانطباعيين: كلود مونييه، أوجست رينوار، بول سيزان، ادغار ديكاس ثم بول غوغان وفان كوخ فنسينت وغيرهم ...

المراجع:

  • من كتاب :الفن فى القرن العشرين / د. محمود البسيونى

المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url