يوهانس فيرمير: سيد الضوء الهولندي الذي لم يعرف الشهرة إلا بعد وفاته




يوهانس فيرمير ويلقب ايضا بسيد الضوء الهولندي، وهو أحد عباقرة الفن القرن السابع عشر، وان كان لم يحظى بالكثير من الاهتمام والمكانة التي يستحقها في عصره، فشهرته لم تبدأ الا بعد موته بقرنين من الزمن لينكشف الغطاء على ابداعات وعبقرية هذا الفنان.

حياة غامضة وإرث فني فريد: لمحات من حياة يوهانس فيرمير

حياة يوهانس فيرمير يحيطها بعض الغموض فالمعلومات المتوفرة عنه تكاد تكون معدومة، والمصدر الوحيد لسيرة حياته كانت من خلال بعض السجلات وبعض الوثائق الرسمية و تعليقات بعض عدد من الفنانين عنه.
ولد يوهانس في مدينة دلفت بهولندا سنة 1632م، وتعمد في كنيسة بروتستانتية، وقد قيل انه كان تاجر من تجار الفن كوالده الا انه كان يعتبر نفسه رساما اكثر منه تاجرا.

لوحات فيرمير: مشاهد داخلية من حياة البرجوازية الهولندية

وتميزت لوحاته على استحواذها للمشاهد الداخلية للطبقة الوسطى في المجتمع، وتصويره للحياة اليومية للبرجوازيين داخل بيوتهم، مستعرضين جمالية واناقة مساكنهم،  ببساطتهم احيانا  وبتعجرفهم وفخرهم احيانا اخرى، اضافة الى اهتمامه بتصوير عدد من مناظر المدينة والطبيعة.
واذا ما ركزت على مجموعة معينة من لوحاته ستجد ان بعضها تبدو متشابهة كثيرا فيما بينها، من حيث الاثاث والالوان والزخارف واحيانا نفس الاشخاص، الا ان الترتيبات تكون هي المختلفة، دون نسيان عشقه لرسم النساء في مواضع مختلفة، مستخدما براعته في استدعاء تقنية الصمت والسكون والوقت البطيء في لوحاته، كأنك تحس بأن الزمن واقف لا يتحرك، في نفس الوقت يوهم الناظر على ان من في الصورة هو في حركة وليس في ثبات وان هناك قصة تحكى يجب ان تسمعها ولكن بأحاسيسك.

فيرمير: فنان اللحظات الهادئة والضوء الساحر

تقنية فيرمير: الضوء والظل والصبغات الثمينة

وقد تكهن بعض المؤرخين وخصوصا المؤرخ "ديفيد هوكني" الذي رأى بان فيرمير كان يستخدم غرفة مظلمة في رسم لوحاته، وقد دعم هذا الادعاء من خلال ملاحظاته في لوحاته التي وظف فيها التأثيرات الضوئية على سطح اللوحة الا ان المؤرخين يشككون في هذه النظرية، فقدرته بالتلاعب بالضوء والظل واهتمامه بهذه النقطة كان له اثر واضح على رسوماته فهو لا يستغني عنهما ولو في أصغر تفصيلة على اللوحة.
وقد كان لفيرمير اهتمام كبير بنوعية وجودة الصباغة على اللوحة لذلك تجد انه لم يكن يبخل على لوحاته باستعمال الالوان المكلفة، فلوحته مثلا "الفتاة مع كوب النبيذ"  يلاحظ فيها ظلال لفستان الساتان الاحمر حيث وضع الصباغة الزرقاء تحت اللون الاحمر القرمزي الشيء الذي اكسبه اللون الارجواني، وهذا ما جعله يتعامل مع لوحاته بسخاء، وفهمه لنوعية وجودة وكمية الصباغة على اللوحة، وقد ظل يستعمل هذه الصبغات المكلفة حتى بعد الازمة الاقتصادية عام 1672م، هذا الشيء الذي جعله يظهر كفاءته في خلق صور واقعية ونابضة بالحياة.
ويعتبر اسلوبه الراقي والالوان الزاهية المشرقة مدخلا الى قلوب الجماهير وان كان لم يحظى بهم الا فيما بعد.
اما بالنسبة لعدد اللوحات التي رسمها في حياته فهي قليلة مقارنة بالرسامين الاخرين وعددها 45 لوحة، فهو لم يكن يرسم اكثر من اثنين او ثلاث لوحات في السنة.

"الفتاة ذات القرط اللؤلؤي": تحفة فنية خالدة لسيد الضوء

وقد ظل يوهانس بعيد عن الاضواء، ورسوماته لم تحظى بأي قيمة فنية انذاك حتى سنة 1866م، حيث اصبح اسمه في التاريخ الفني يضيء في سماء الفن الهولندي والاوروبي والعالمي، بعدما قام احد الباحثين بتحليل احدى لوحاته التي لفتت نظره فنشر دراسة خاصة لها حيث لقبه بـ "ابو الهول دلفت".
وقد اصبحت لوحات يوهانس اليوم لا تقدر بثمن، وتعتبر لوحة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" او "موناليزا الشمال" كما تدعى احيانا اجمل ما ابدعه في حياته، وتراث فني أصيل لموهبة فذة، ففي هذه اللوحة بالذات تجسد إبداع يوهانس من حيت التدرج في استغلال الظلال والضوء إضافة إلى انعكاس معبر للأقراط نتج عنه جاذبية ساحرة للصورة.

خاتمة: يوهانس فيرمير، سيد الضوء الذي أضاء عصره

رحل يوهانس فيرمير عن عالمنا فجأة سنة 1675م عن عمر يناهز 43 سنة، تاركا وراءه زوجته واولاده الثمانية في أشد العوز والفقر والديون التي ظلت تسدده من خلال بيع لوحاته لمختلف التجار وغيرهم من العامة.

كما ترك وراءه إرثاً فنياً فريداً، يشهد على عبقريته وتميزه. فرغم قلة عدد لوحاته، إلا أنها استطاعت أن تخلد اسمه في تاريخ الفن، كواحد من أعظم الفنانين الهولنديين في القرن السابع عشر. كما تميز فيرمير بأسلوبه الفريد في استخدام الضوء، حيث استطاع أن يخلق جواً من السحر والغموض في لوحاته. كما تميز بدقته في تصوير التفاصيل، واهتمامه بالحياة اليومية للطبقة الوسطى في المجتمع الهولندي، لكنه لم يحظ بالتقدير الذي يستحقه في حياته، وظل مغموراً حتى بعد وفاته. ولكن، مع مرور الوقت، بدأت قيمة أعماله الفنية تظهر، وأصبح يُعتبر اليوم واحداً من أهم الفنانين في تاريخ الفن.

لقد ترك لنا فيرمير مجموعة من اللوحات الخالدة، التي لا تزال تسحرنا بجمالها وسحرها الخاص. إنها لوحات تستحق أن تُشاهد وتُقدر، وأن تبقى خالدة في ذاكرة الفن.

المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url