ايليا ريبين






الفنان الروسي، المفكر السياسي، الزعيم الثوري، الكاتب والمدرس، الرسام والنحات، انه "ايلياايفيموفيتش ريبين" هذا الفنان الذي برز في القرن التاسع عشر بأعماله الواقعية، التاريخية، الدرامية، الاجتماعية والدينية، فشغفه المبكر

للرسم طور من موهبته الفذة في تصويرالشخصيات بطريقة واقعية، وكأن المشهد الذي في اللوحة حاضر في اللحظة ذاتها، كما تميز بقوة الملاحظة وقدرته على تجسيد ملامح الناس ومشاعرهم العاطفية واحساساتهم الداخلية بدقة متناهية، تلهمك من النظرة الاولى، فرسم الحياة الروتينية اليومية بكل تفاصيلها وأحداثها ومشاكل المجتمع الروسي اليومية ببراعة وتفنن، ويعتبر ريبين واحدا من بين عدد قليل من الرسامين في وقته الذي تمتع بشهرة واسعة بين أقرانه الروس.


ولد ايليا ريبين في 5 أغسطس سنة 1844م، من عائلة أحد التجار شرق اراضي اوكرانيا الحديثة، التي كانت تحت سيطرة الامبراطورية الروسية سابقا، وقد نشأ في بيئة عسكرية منطبطة، فانتسب الرسام الى مدرسة الطباعة العسكرية سنة 1859م لكنها اغلقت بعد 3 سنوات، ثم تلقى دروسا في ورشة لصناعة الايقونات التي برع في عملها، الا انه فضل دراسة الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة في "سانت بطرسبرغ " من عام 1876م.، وبفضل منحة منحت له سافر الى باريس في الفترة ما بين 1873م الى 1876م، ومن هناك بدأت رحلاته وأسفاره الذي اضافت له الكثير في تحسين موهبته الفنية والثقافية والانفتاح على مختلف الحضارات والمجتمعات الاوروبية بشكل خاص، والتعرف على الثقافات المختلفة واكتساب خبرات اضافية، ففي سفره الى ايطاليا ثم فرنسا تعلم الرسم في الهواء الطلق، وفي احدى أسفاره التقى هناك بحبيبته ن"اتاليا نوردمان" التي أصبحت فيما بعد زوجته وبعدها أي وبعد بضع سنوات قضاها أيضا في موسكو عاد الى مسقط رأسه "بسانت بطرسبرغ "سنة 1882م، حيث قاد بعدها مهنة أستاذ وعميد أكاديمية الفنون الجميلة هناك، كما تناول حياة الشعب الروسي القاسية في ذلك الوقت، فشارك بقوة في الحياة الاجتماعية لبلده فصور الاحداث السياسية المهيمنة في ذلك الوقت بطريقة ملحمية جذابة، فمن خلال جولة بسيطة بين لوحاته سرعان ما ستتأثر بجمالية الصورة والالوان والقصة الحاضرة التي تجمع بين التأمل في التاريخ والتعبير عن المشاعر الشخصية الاجتماعية لواقع وحياة صعبة في فترة من فترات روسيا المصيرية، انه يصور شخصياته بمنتهى الدقة والاتقان في مشاهد قصصية كاملة معبرة عن ألم الحياة اليومية، اضافة الى تسليط الضوء على عالم الفلاحين ومعاناتهم والتي لا تخلو من النقد الاجتماعي، لكنه سرعان ما عاد بعدها الى فنلندا ليقضي بقية حياته هناك.


ويعتبر ريبين الرسام الاكثر أهمية في الحركة الواقعية الروسية والتي ظهرت سنة 1850م مبدية معارضتها للحركة الرومانسية التي كانت دارجة آنذاك، واهتم في عام 1878م من ثمانينات القرن 19 بموضوع الحركة الثورية، فبأسلوبه الواقعي الدرامي يجعل المشاهد يفهم الموضوع او يعيش الحدث، وكأن وقع فورا امامه وهذا اكثر شئ تميز به ريبين، كما عرف عنه تصويره للمجتمع الروسي بأحداته وتاريخه ومشاكله اليومية ومعاناته ولكأنه تأريخ لمرحلة معينة من حياة الشعب الروسي، مما قد يجعلك تتعامل مع لوحاته الصادقة والمفصلة تفصيلا زمنيا وابداعيا وفنيا، على انها شهادة دقيقة انذاك، فايليا ريبين هو رسام الحياة السياسية والاجتماعية بما فيها الريفية، رغم ان الكثيرين يعتبرونه رسام القيصر او كما يعتقد بسبب تصويره للشخصيات الرسمية.
كما عرف عن ريبين براعته في تصويره للمناظر الطبيعية والمواضيع الدينية والمشاهد الريفية، الى جانب ابداعه في رسم البورتريه وبشكل خاص لاصدقائه من الكتاب والمثقفين الروس، وقد كانت أعماله الاجتماعية تكشف التناقض الكبير بين فلاحين روسيا ومعاناتهم وهيمنة الاسياد على الطبقة الفقيرة واحتكار الثروات لنفسها، وتجلى ذلك في عمله الكبير "الموكب الديني في مقاطعة الدوسكي" وهي لوحة تحكي مآسي الطبقة الفقيرة والضعيفة قصاد تعجرف أسياد القرية على العباد وتمجيد الشعب والتنديد بالنظام القائم.


وقد اهلت تجربة الرسام الواسعة وموهبته الفذة على صياغة لوحات عالمية انتشرت بشكل واسع أنحاء العالم، وكانت للوحاته موضوع مشترك بينهم وهي الحركة الثورية في روسيا ونتيجة لذلك غالبا ما تصنف اعماله بانها نمط وطني لروسيا ومن أشهر لوحاته لوحة "الغزاة" ورسمها بين سنة 1880م و 1891م، وقد تم شراءها على الفور من قبل القيصر، ومن اللوحات الشهيرة ايضا".رفض الاعتراف" وهي لوحة دينية، دون ان ننسى لوحته الشهيرة "عودة غير متوقعة" التي رسمت سنة 1884م ، الى جانب ذلك فقد رسم  أمه كواحدة من لوحات البورتريه ولوحة أخرى لزوجته وابنته، فحينما يدقق المشاهد للوحاته ينجذب الى التفاصيل وحركات الشخصيات الطاهرة للوحة ولكأنها تنطق من كثرة ابداعه في رسم الشخصيات واهتمامه بتوزيع الضوء والظل.
 وقد عرف على ربين انه كان مقاتلا من اجل الحرية والمساوة والعدالة الاجتماعية، والمدافع لحقوق الطبقة الفقيرة، الا أنه حينما قامت الثورة الاشتراكية عام 1917م،  فضل البقاء في فنلاندا رغم الاغراءات الكثيرة الذي قدمت له اللعودة الى بلاده، وبعد وفاته في فنلندا عام 1930م، وعن عمر يناهز 86 سنة، تم تحويل منزله الى متحف يضم أهم ابداعاته الفنية اضافة الى أشاءه الخاصة التي تركها وراءه. 


  
المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url