المدرسة الكلاسيكية




المدرسة الكلاسيكية هي حركة ثقافية وفنية تطورت في فرنسا وبعدها في أوروبا ما بين القرنين السابع عشر والثامن عشر، اي مابين 1660م و 1715م، وقد استوحت ابداعاتها من فن الاغريق والرومان وهي أبعد ما تكون عن التقليد كما يروج له بل بالعكـس فهي تقوم على ابتكار جمالية فريدة من نوعها لكن على أساس مبادئ صارمة الى حد ما، أي نعم قد استمدت المدرسة

الكلاسيكية الشكل العام للفن من الاغريق والرومان، الا انهم تفننوا في خلق لغة فنية متطابقة بين الشكل والمحتوى وتناسب في التركيبة والذوق والسعي وراء الكمال والانسجام، وقد ألهمت الحركة من قبل سادة النهضة الكلاسيكية لتصبح اللغة التصويرية في خدمة الملكية المطلقة فيما بعد.   
وليس خفي على الكثيرين المعنى الاصلي للكلاسيكية فلتذكير فهو يطلق عادة على الاشياء القديمة فنقول الشخص كلاسيكي يعني قديم ويحتفظ ويتشبت بالنظم القديمة فأسلوبه القديم هو كلاسكيته، ولفظ كلاسيكي هو يوناني الاصل والمعنى المطابق له هو الطراز الاول. 
   
كانت مقدمة العصر الكلاسيكي او ما قبل الكلاسيكية قد بدأت في خضم ثورات التنوير التي اجتاحت ايطاليا مسبقا في بداية القرن الخامس عشر لتعم نهضة شاملة في كافة الميادين، وليكون "ليوناردوا دافنتشي" و"مايكل انجلوا"اضافة الى "رفائلوا" و"نيكولاس بوسانمن" ثم "ميكيافيلي" من روادها المسيطرين على الساحة الفنية والتصويرية فارضين قواعد ثابتة ومحددة على لغة الفن، تاركين وراءهم استبداد الكنيسة وتدخلها المفرط والمقيد في نوعية وأسلوب فنهم الذي دام مدة من الزمن، وهو ما يتناقض مع حب التعبير عن الحياة النابضة في شتى صورها، فقد كان بعيدا كل البعد عن واقعهم اليومي، فجاءت الانتفاضة التنويرية لتحررهم من هذه العبودية الفنية مكتسحين ايطاليا ثم أوروبا التي كانت تعيش فقر فني وغياب ابداعي واضح، فجاءت ابداعاتهم  تقديرا وحبا لعصور الكلاسيكية القديمة في التقاليد الرومانية الاغريقية، ووضع معايير فنية سعيا لمحاكاة فنهم على أساس مبادئ تصبو نحو احترام العقل وفرضه على اللوحة دون إعطاء المجال للخيال بالوجود، فضلا على تعامل الفنان مع الطبيعة على انها مجموعة من القيم الزخرفية واشكال هندسية ذات بعد جمالي هندسي مهتمين بالحقيقة الهندسية للطبيعة والضبط الدقيق في تفاصيلها، واطفاء طابع مثالي للكون مستعملين الخطوط القوية والحادة، باحثين عن التوازن والانسجام في المواضيع ذات قواعد منتظمة وسارية على كل الميادين.

فالنحات الكلاسيكي المبدع تجاوز بفنه المواضيع العادية وقد كان الجسم البشري موضوعا للدارسة في منحوتاته وخلال هذه الفترة، فترة الكلاسيكية تم استبدال الابتسامة المصطنعة في النحت العتيق واستبدالها بتعابير الوجه بكل ارتساماته، وحتى في المنحوتات التي تصور مشاهد عنيفة او عاطفية لوجوه تكشف تعابير من كل الانواع، في حين ان الاغريق كانوا يرون ان قمع المشاعر سمة نبيلة في الرجل المتحضر، وان العرض العام لعاطفة الانسان دلالة على الهمجية، كما كان المنطق والعقل يسيطر بشكل كبير على التعبير الانساني حتى في الحالات الاكثر دراماتيكية.

وقد كان واضحا لدى الكلاسيكيين ان الجمال كله بالنسبة لهم يعتمد على الانسجام في الاجزاء وليس في العناصر التي يتألف منها وان كل جزء يعتمد على الاخر من اجل انشاء مجموعة متناغمة، فكل جزء في جسم الانسان هو جمالية بحد ذاته ويجب الاهتمام بتفاصيله الدقيقة وابراز جماليته الكمالية كما كان معتقد.
 فلا يمكن إلا أن تكون قد لمست من خلال لوحاتهم ما كانوا قد آمنوا به من المثالية الاخلاقية والجمالية والتي تتجسد في الشكل النظري العام للوحة والشخصيات والمشاهد التي تلخص كل الصفات الكامنة للثقافة، والتواضع، والحكمة والاعتدال، والامتثال، والقدرة على خلق لغة جسدية محكمة بإتقان في إطار فني معبر ومتكيف مع محيطه.  
 فعندما كانت الحركة الكلاسيكية الحديثة حركة هامة في مجال الفنون البصرية بدأ الفنانين في مطلع القرن التاسع عشر باللجوء الى تصوير الحياة المعاصرة، فجاءت لوحاتهم منظمة ومتزنة وخطوط واضحة ودقيقة مع حضور خاصية الظل والنور، فلكل تصوير هناك قصة لهدف نبيل او موضوع يحكى له دواعي اخلاقية، فيعطيك احساس وانت تشاهد اللوحة كأنهم يمثلون على المسرح وهم بملابسهم الاغريقية تارة والرومانية القديمة تارة أخرى او حتى بأجسادهم العارية. 

  وهنا يجعلنا نستنتج ان المدرسة الكلاسيكية مرت بثلات مراحل مهمة: 
المرحلة الاولى وهي مرحلة المحاكاة للفن الاغريقي الروماني القديم واعادة احياءه من جديد.
والمرحلة الثانية هي مرحلة عصر النهضة او العصر الذهبي كما كان يطلق عليه بسبب الانتفاضة الفنية والثقافية والادبية وغيرها من الميادين، والتي اثرت اروبا بالمفاهيم الجديدة والتحرر من القيود الدينية ومبادئ الكنيسة الصارمة، ومن روادها الاساسيين ليوناردو دافنتشي ومايجل انجلوا.
ثم وبالاخير مرحلة الكلاسيكية الجديدة ومن اشهر فنانيها المصور جاك لويس ديفييد، وقد اشتهر برسم موضوعات تاريخية ووطنية، اضافة انه هو مصور الثورة الفرنسية الرسمي ، عضو في اللجنة التي حكمت على لويس السادس عشر بالاعدام ن ومن أعماله "الاخوة هوراس وبروتس يتلقى نبأ وفاة أبنائه". 

المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url